ا
لمبحث العاشر: وجوب التزام العقيدة الصحيحة
العقيدة الصحيحة هي العقيدة المدلول عليها بألفاظ الكتاب والسنة ونحن ملزمون باتباع ألفاظها ومعانيها، وبناء على
ذلك يجب التزام العقيدة الصحيحة – ولا يقال إن الكتاب والسنة قد يختلف في دلالتهما في العقائد وغيرها لأننا نقول إنه لابد من مدلول حق لهما، وهذا المدلول كان له جيل قد طبقه فهو منهج عملي ظهرت آثاره وبانت فوائده مما يدل على أنه ثابت في واقع الأمر وحقيقته، فيجب التماسه من خلال البيان النبوي لذلك، والبيان الأثري من الصحابة رضي الله عنهم. وفرض دلالة مختلف فيها هو فرض حق لا يعرف، ومآل هذا الفرض إبطال دلالة النصوص، ومن ثم إبطال الشرع إذ مضمونه أن الحق الذي أنزل به القرآن الكريم وأرسل به الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بينا ولا واضحا، ولازم ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الناس على الضلالة ولم يبلغهم ما أنزل إليهم من ربهم، وأن أصحابه لم يكن لهم في واقع الأمر عقيدة، وكل هذه اللوازم باطلة إذ ما يلزم منه الباطل فهو باطل. فظهر بهذا أن هناك حقا في باب العقيدة يجب أن يلتزم وهناك دلالة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا محالة، وأن هذه العقيدة التي توصف بالصحة ووجوب الالتزام، هي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم وتابع تابعيهم إلى
يوم الدين، كما قال سبحانه:
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 100].
ويمكن بعد هذا حصر موجبات التزام العقيدة الصحيحة فيما يلي: أ
ولاً: أنها مما أمر الله باتباعه كما قال تعالى:
وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: 5] وقال سبحانه: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا [النساء: 36].
ثانياً: أنها مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه:
وَ
مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: 7].
ثالثاً: استحلال قتال من لم يقبلها كما قال صلى الله عليه وسلم: ((أ
مرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله...)) الحديث.
رابعاً: لأنها الحق الذي أرسلت من أجلها الرسل، وأنزلت الكتب، كما قال تعالى:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25].
خامساً: لأن الرسل جميعا أرسلوا بها، كما قال سبحانه:
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: 36].
سادسا: لأنها الغاية من خلق الجن والإنس، كما قال سبحانه: وَ
مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56].
سابعا: لأنها متعلق سعادة الخلق في الدنيا والآخرة كما قال صلى الله عليه وسلم: ((
أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من نفسه)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وأخرت دعوتي شفاعة لأمتي فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا)) .
ثامنا: لأنها دين الله الذي ارتضاه لعباده... قال تعالى:
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].
تاسعاً: أنها حق الله الذي أوجبه على عباده كما قال صلى الله عليه وسلم: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا)) .
عاشرا: لأنها طريق النجاة من النار... قال صلى الله عليه وسلم:
((فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)) .
الحادي عشر: لأنها أول ما يجب الدعوة إليه. كما قال صلى الله عليه وسلم: ((
فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)) وفي رواية:
((إلى أن يوحدوا الله)) .
الثاني عشر: لأنها ملة إبراهيم التي أمرنا باتباعها، كما قال سبحانه:
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل: 123] وقد فسر الله مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ بقوله:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف: 26، 27]، وقال عز وجل:
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل: 120].
الثالث عشر: أن من التزمها حرم ماله ودمه، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((
من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل)) .
الرابع عشر: لأنها مما حكم الله وقضى باتباعه، وما حكم به وقضاه فهو واجب الاتباع، كما قال سبحانه:
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء: 23].
الخامس عشر: أن الله حرم مخالفتها، كما قال تعالى:
قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا [الأنعام: 151]الآية.
السادس عشر: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالبراءة من ضدها، كما قال تعالى
: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون: 1، 2].
السابع عشر: امتداحه سبحانه للمؤمنين بالتزامها وترك ضدها، كما قال سبحانه:
وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ [المؤمنون: 59].
الثامن عشر: لأنها دعوة إبراهيم عليه السلام، كما قال تعالى عنه:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم: 35].