[color=blue][center]" المقارنة بين التعريف الإضافي واللقبي "
قلنا إن أصول الفقه من حيث التعريف الإضافي هي أدلة الفقه، ومن حيث التعريف اللقبي هي أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد.
ونريد أن نبين هنا الفرق بين التعريفين فنقول:
أولا: إن أصول الفقه باعتبار الإضافة لفظ مركب من كلمتين هما: أصول، والفقه.
وأما باعتباره لقبا واسما لهذا العلم فهو لفظ مفرد.
بيان ذلك:
إن المركب تعريفه هو: ما يدل جزئه على جزء معناه.
والمفرد تعريفه هو: ما لا يدل جزئه على جزء معناه.
مثال: ( غلام زيد ) هذا لفظ مركب لأن معناه غلام تابع ومملوك لزيد، فلفظ ( غلام ) يدل على شطر هذا المعنى، ولفظ ( زيد ) يدل على الشطر الثاني فيكون مركبا لأنه قد دل جزء اللفظ على جزء المعنى.
وأما لفظ غلام أو لفظ زيد فهو مفرد لأنه لا يدل جزء اللفظ على جزء المعنى، فمثلا لفظ زيد متكون من ( الزاي- والياء- والدال ) فهل الزاي مثلا تدل على يد زيد والياء تدل على رأسه والدال تدل على الباقي؟
الجواب: كلا فهذا اللفظ ( زيد ) كوحدة كاملة يدل على زيد وليست أجزائه تدل على جزء معناه.
فإذا علم هذا فلفظ ( أصول الفقه ) من حيث الإضافة هو مركب لفظي لأن معناه أدلة الفقه فكلمة أصول تدل على شطر المعنى وهو أدلة، وكلمة الفقه تدل على الباقي أي أن جزء اللفظ يدل على جزء المعنى فيكون حينئذ مركبا.
وأما ( أصول الفقه ) من حيث كونه لقبا فقد صار اللفظ بكامله اسما لهذا العلم، فكما أن اسم زيد يدل على شخص معين، فكذلك لفظ أصول الفقه يدل على معنى معين وهو أدلة الفقه الإجمالية وكيفية .... إلخ فلا يدل جزء اللفظ على جزء المعنى فلا يدل لفظ أصول على أدلة الفقه الإجمالية مثلا ولفظ الفقه يدل على كيفية الاستفادة منها وحال المستفيد.
فتبين أن هذا اللفظ حينما صار اسما لهذا العلم لم يبق مركبا بل صار كلمة واحدة فلذا قلنا هو مفرد.
ونظيره لفظ ( صلاح الدين) فهو قبل أن يصير اسما كان مركبا يدل لفظ صلاح على جزء المعنى ولفظ الدين يدل على الجزء الباقي.
أما إذا صار اسما لشخص فلم يعد مركبا لأنه لم يعد يدل جزئه على جزء المعنى فليس لفظ صلاح يدل على أسفل جسمه مثلا ولفظ الدين يدل على الباقي.
ثانيا: أصول الفقه بالمعنى الإضافي يدل على شيء واحد وهو أدلة الفقه.
وأما أصول الفقه بالمعنى اللقبي فيدل على ثلاثة أشياء أدلة الفقه، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد.
ثالثا: أصول الفقه بالمعنى الإضافي معناه أدلة الفقه فيشمل أدلة الفقه التفصيلية مثل قوله تعالى أقيموا الصلاة، والأدلة الإجمالية مثل الأمر يدل على الوجوب.
بينما أصول الفقه بالمعنى الإضافي لا يدل إلا على الأدلة الإجمالية، وذلك لأن أدلة الفقه وهو معنى التعريف الإضافي لم يقيد بكلمة الإجمالية فصار مطلقا يشمل الأدلة التفصيلية للفقه والأدلة الإجمالية له، بينما أدلة الفقه الإجمالية وهو معنى التعريف اللقبي قد قيد بكلمة الإجمالية فلا يصدق على التفصيلية.
" فصل في تعريف الأحكام الشرعية "
قد ذكرنا من قبل أن تعريف الفقه هو معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.
ونريد أن نبين هنا هذه الأحكام الشرعية بشيء من التفصيل فنقول:
الأحكام الشرعية نوعان:
أولا: أحكام تكليفية.
ثانيا: أحكام وضعية.
فالأحكام التكليفية هي: ما فيها طلب أو تخيير.
والأحكام الوضعية هي: ما ليس فيها طلب أو تخيير بل فيها جعل شيء علامة على شيء آخر.
فالأحكام التكليفية هي: الواجب والمندوب والمباح والمحرم والمكروه.
والأحكام الوضعية هي: السبب والشرط والمانع والصحيح والفاسد.
وهذا كلام يحتاج إلى توضيح فنقول:
قد مضى معنا أن الحكم هو إثبات أمر لآخر أو نفي أمر عن آخر.
وقد يكون عقليا أو حسيا أو شرعي.
والحكم الشرعي ينقسم إلى حكم تكليفي، وحكم وضعي.
فالحكم التكليفي خمسة أقسام هي:
1- الواجب وهو: فعل المكلف الذي يثاب على فعله ويعاقب على تركه.
مثل الصلاة فإنها فعل من أفعال المكلف وهو البالغ العاقل فإذا فعلها كما أراد الله أثيب على الفعل وإذا تركها عاقبه الله على الترك، وكذا قل في الصيام والزكاة والحج والجهاد ونحوها.
ويسمى الواجب بالفرض أيضا.
2- المندوب وهو: فعل المكلف الذي يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
مثل التسوك فإنه فعل إذا أتى به المكلف أثيب عليه وإذا تركه لم يعاقب عليه، ومثل السنن القبلية والبعدية للفرائض ومثل صيام يوم الاثنين والخميس تطوعا ونحو ذلك.
ويسمى المندوب بالمستحب والسنة والنفل أيضا.
3- المباح وهو: فعل المكلف الذي لا يثاب على فعله وتركه ولا يعاقب على تركه وفعله.
مثل الأكل والشرب لنوع معين من الطعام والنوم وتمشيط الشعر ونحو ذلك فإن شاء فعلها الإنسان وإن شاء تركها فلو جاء الغداء مثلا وقال زيد لا أريد أن آكل فلا يثاب إذا أكل ولا يعاقب إذا ترك.
ويسمى المباح بالجائز والحلال أيضا.
4- المحرم وهو: =green]]فعل المكلف الذي يعاقب على فعله ويثاب على تركه.
مثل فعل الزنا وشرب الخمر وعقوق الوالدين ونحو ذلك.
ويلاحظ أن المحرم عكس الواجب فالواجب يثاب على فعله ويعاقب على تركه، والمحرم بالعكس يعاقب على فعله ويثاب على تركه.
ويسمى المحرم بالحرام والمحظور والمعصية.
5- المكروه وهو: فعل المكلف الذي يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله.
مثل الاستنجاء باليد اليمنى، فإذا فعله الشخص لم يعاقب عليه، وإذا تركه أثيب على ذلك.
ويلاحظ أن المكروه عكس المندوب فإذا كان المندوب يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، فالمكروه يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله.
فهذه هي أقسام الحكم التكليفي ولنذكر لها ضابطا يجمعها وهو:
إن الفعل إما أن يكون فيه طلب أو لا يكون فيه طلب.
والذي فيه طلب إما أن يطلب فعله أو يطلب تركه.
والذي يطلب فعله إما أن يطلب على وجه الحتم أو على غير وجه الحتم.
والذي يطلب تركه إما أن يكون على وجه الحتم أو على وجه غير الحتم.
فالذي طلب فعله على وجه الحتم هو الواجب مثل الصلاة.
والذي طلب فعله على غير الحتم هو المندوب مثل التسوك.
والذي طلب تركه على وجه الحتم هو الحرام مثل الزنا.
والذي طلب تركه على وجه غير الحتم هو المكروه مثل الاستنجاء باليمين.
وأما الذي ليس فيه طلب فهو المباح لأنه لا يطلب فعله ولا تركه بل يستوي الأمران فلذا يكون العبد مخيرا فيه بين الفعل والترك.
فتلخص أن الطلب يجمع أربعة أحكام هي ( الواجب والمندوب والمحرم والمكروه).
وأن الفعل الذي فيه تخيير هو المباح فقط.
فلذا قلنا في تعريف الحكم التكليفي: ما فيه طلب أو تخيير.
فهذا ما يتعلق بالكلام على الحكم التكليفي.
أما الحكم الوضعي فهو خمسة أقسام أيضا:
( السبب- الشرط- المانع- الصحيح- الفاسد ).
1- السبب: وصف يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم.
مثال: دخول الوقت سبب وجوب الصلاة فإذا دخل وقت الظهر وجبت صلاة الظهر وإذا دخل وقت العصر وجبت صلاة العصر وهكذا.
فدخول الوقت وصف وشيء يلزم من وجوده وجود الوجوب، ومن عدمه العدم أي من عدم دخول وقت الصلاة عدم وجوبها.
مثال: ملك النصاب سبب وجوب الزكاة في المال.
لأنه إذا ملك شخص النصاب فإنه تجب عليه الزكاة وإذا لم يملك لم تجب عليه الزكاة.
فيلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم وهذا هو السبب.
مثال: الجنابة سبب وجوب الغسل.
لأنه يلزم من الجنابة وجود الغسل ويلزم من عدم الجنابة عدم الغسل، وذلك بالنظر لنفس الجنابة لأنه إذا وجد سبب آخر يوجد الغسل كالنفاس.
2- الشرط: وصف يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم.
مثال: الطهارة شرط لصحة الصلاة.
فالطهارة وصف وشيء يلزم من عدمه عدم صحة الصلاة ولكن لا يلزم من وجودها وجود الصحة ولا عدم الصحة.
لأن المصلي إذا صلى بلا طهارة فصلاته غير صحيحة، ولكن إذا وجدت الطهارة أي صلى وهو متطهر فلا يلزم من ذلك أن تصح الصلاة أو لا تصح لأنه قد يصلي وهو متطهر ولكنه قد ضيع شرطا آخر كأن لم يستقبل القبلة فلا تصح صلاته، وقد يصلي وهو متطهر ويستجمع بقية الشروط والأركان فتصح صلاته.
مثال: الحول شرط لوجوب الزكاة.
فإذا فقد الحول أي مرور السنة القمرية لم تجب الزكاة، وإذا وجد الحول فقد تجب الزكاة إذا كان المال نصابا وقد لا تجب الزكاة إذا لم يبلغ المال النصاب.
مثال: الشاهدان شرط لصحة عقد النكاح.
فإذا فقد الشاهدان لم يصح العقد، وإذا وجد الشاهدان فقد يصح إذا استكمل العقد كل ما يطلب فيه وقد لا يصح كما إذا النكاح بلا ولي.
فظهر أن الشرط فيه لزوم في جانب العدم فقط، أما في جانب الوجود فلا يوجد تلازم.
فمتى عدم الشرط لزم عدم المشروط، وإذا وجد الشرط فقد يوجد المشروط وقد لا يوجد.
أما السبب ففيه تلازم في جهة الوجود وفي جهة العدم لأنه متى وجد السبب وجد المسبَّب ومتى فقد السبب فقد المسبب.
3- المانع: وصف يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم.
مثال: الأبوة مانعة من وجوب القصاص.
فمن قتل شخصا عمدا عدوانا وجب أن يقتل ولكن إذا كان القاتل أبا للمقتول فإنه لا يقتل به.
فالأبوة مانع لأنها وصف وشيء يلزم من وجوده عدم وجوب القصاص، ولكن لا يلزم من عدم الأبوة وجود القصاص دائما فقد يجب القصاص وقد لا يجب كما إذا كان القاتل صبيا أو مجنونا.
مثال: الإحرام مانع من صحة عقد النكاح.
فمن تزوج وهو محرم فلا يصح عقد زواجه.
فيلزم من وجود الإحرام عدم صحة العقد، ولا يلزم من عدم الإحرام صحة العقد دائما فقد يصح وقد لا يصح كما لو كانت المرأة في عدتها.
مثال: الحيض مانع من صحة الصيام.
فيلزم من وجود الحيض عدم صحة الصيام، ولا يلزم من عدم الحيض صحة الصوم دائما فقد يصح وقد لا يصح كما لو كان الصائم مجنونا.
4- الصحيح: ما يتعلق به النفوذ ويعتد به.
ولتوضيح ذلك نقول:
هنالك عبادات كالصلاة والصوم وهنالك عقود كالبيع والنكاح.
فالصحيح من العبادات: ما يعتد به في الشرع.
أي يقال عليه إنه معتد به فنقول هذه الصلاة معتدٌ بها أي يسقط بها الطلب وتبرأ بها الذمة.
وإنما تكون كذلك إذا استجمعت الشروط والأركان وانعدمت عنها الموانع.
فالصلاة إذا أداها العبد مستجمعة لما يريده الله منه فحينئذ نقول عنها إنها معتدٌ بها أي صحيحة.
والصحيح من العقود: ما يعتد به في الشرع ويعتبر نافذا.
والمقصود من الاعتداد والنفوذ واحد وهو أن يترتب على العقد آثاره.
وإنما يكون صحيحا إذا استجمع أركانه وشروطه وانتفت الموانع.
مثال: البيع إذا استجمع ما يطلب فيه فحينئذ يقال عليه إنه بيع معتد به ونافذ فتترتب الآثار عليه وهو أن ينتقل الثمن إلى البائع والسلعة إلى المشتري بشكل شرعي.
مثال: عقد النكاح يكون صحيحا إذا استجمع الشروط والأركان وانتفت عنه الموانع فيكون معتدا به ونافذا أي تترتب عليه آثاره وهو حل التمتع بين الزوجين.
فإذا علم هذا فالعبادات يقال عليها إنه معتد بها فقط ولا يقال عليها إنها نافذة بحسب اصطلاح العلماء.
والعقود يقال عليها الأمران أي نافذة ومعتد بها.
وهذا معنى تعريف الصحيح: ما يتعلق به النفوذ ويعتد به.
ومعنى يتعلق به أي يرتبط به بأن يوصف به فيقال عبادة معتد بها، وعقد نافذ ومعتد به.
فيمكن أن نختصر التعريف ونقول: الصحيح: ما يتعلق به الاعتداد، أو يقال ما يعتد به.
وذلك لأن الاعتداد يصلح للأمرين العبادات والعقود.
5- الباطل: ما لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به.
فالباطل من العبادات لا يعتد به أي غير مسقط للطلب ولا تبرأ به الذمة كمن يصلي بلا وضوء فيقال صلاته باطلة أي غير معتد بها.
والباطل من العقود لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به معا.
مثال: بيع الخنزير باطل أي غير نافذ وغير معتد به فلا تترتب عليه حلية الثمن.
فهذا هو بيان الحكم الشرعي التكليفي والوضعي.
" الفرق بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية "
قلنا إن الأحكام التكليفية هي: ( الواجب- المندوب- المباح- المحرم- المكروه)، والأحكام الوضعية هي: ( السبب- الشرط- المانع- الصحيح - الفاسد) ونريد أن نذكر هنا الخصائص التي تميز الأحكام التكليفية عن الأحكام الوضعية فنقول:
أولا: الأحكام التكليفية دائما تكون فعلا للمكلف أي البالغ العاقل كالصلاة والتسوك والزنا ونحوها.
أما الأحكام الوضعية فهي أعم من ذلك.
مثال: القتل العمد سبب لوجوب القصاص.
فهنا السبب فعل للمكلف.
مثال: ركب زيد حصانه ومشى في الطريق فأتلف الحصان بعض أموال الناس فهنا يغرم زيد ما أتلفه حصانه.
فالإتلاف سبب للضمان مع أن الحصان غير مكلف.
مثال: دخول الوقت سبب وجوب الصلاة على المكلف.
ودخول الوقت ليس من أفعال المكلف بل هو أمركوني كأن يطلع الفجر فتجب صلاة الصبح.
ثانيا: الأحكام التكليفية تكون مقدورا عليها أي لا يكلفنا الله بفعل شيء أو بترك شيء إلا وفي مقدرتنا الامتثال والطاعة ولذا يقول العلماء لا تكليف إلا بمقدور عليه.
فالصلاة والصيام والحج والجهاد وترك الزنا والربا ونحوها كلها مقدور عليها فلم يكلفنا الله سبحانه بحمل الجبال أو بشرب الأنهار ونحو ذلك مما هو خارج عن حدود قدرة الإنسان.
ولذا نجد أنه متى فقدت القدرة في ظرف معين سقط الحكم.
فمن يقدر على القيام في الصلاة وجب عليه القيام ولكن من عجز عن ذلك فإنه يسقط عنه وجوب القيام.
ومن كان قادرا على الصيام فيجب عليه الصيام، ومن عجز عنه سقط عنه الصيام وهكذا.
أما في الأحكام الوضعية فلا تشترط أن تكون في مقدور الإنسان كما في مثال دخول الوقت فهو سبب لوجوب الصلاة وهو خارج عن قدرة الإنسان.
ومثل الصغر فإنه مانع من صحة العقود كالبيع والإجارة.
والصغير لم يجعل نفسه صغيرا بل هو أمر خارج عن قدرته وإرادته.
ومع وجود هذه الفروق الأساسية فإن الشيء الواحد يمكن أن يكون حكما تكليفيا باعتبار وحكما وضعيا باعتبار آخر.
مثال: البيع فهو من حيث إنه مباح حكم تكليفي، ومن حيث إنه سبب لانتقال الملكية حكم وضعي.
مثال: الزواج فهو من حيث إنه مستحب لمن تتوق نفسه للوطء ويجد التكاليف حكم تكليفي، ومن حيث إنه سبب للميراث حكم وضعي.
مثال: والقتل بغير حق من حيث إنه حرام حكم تكليفي ومن حيث إنه مانع من الميراث فهو حكم وضعي وهكذا.
[/center]